فلسطين بين عمق التاريخ من الاحتلال حتى الاستيطان

فلسطين بين عمق التاريخ من الاحتلال إلى الاستيطان
ج1
مقدمة
بقلم/الباحث
سنطرح في البدء عن مجريات الأمور في فلسطين من الثورة العربية عام م1916 حتى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948م ونطرح عوامل هامة التي أدت إلى وقوع فلسطين تحت السيطرة الإسرائيلية عام 1948م،إضافة إلى الأحداث التي وقعت من اتفاقيات ومؤتمرات كانت بداية لسقوط فلسطين في يد اليهود وإعلان الدولة اليهودية عام 1948م،كمؤتمر بلفور واتفاقية سايكس بيكو واتفاقية سان ريمو كما سنذكرها إن شاء الله وما جرى من وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني.

الثورة العربية الكبرى الطريق إلى استعمار القدس
قام الشريف حسين بن علي شريف مكة بإعلان الثورة العربية على الحكم التركي عام 1916م وذلك لعدة أسباب إذ تدهورت العلاقات بين العرب والأتراك العثمانيون عندما قام قائد الجيش العثماني في سوريا جمال باشا السفاح بإعدام الشاميين،وقد قامت القوات العربية بقيادة فيصل بن حسين بالاستيلاء على الحجاز والشام والتخلص من النفوذ التركي بتحالف مع الانجليز ودخول القوات البريطانية القدس بمساعدة العرب،بعد أن أزالوا النفوذ التركي نهائيا من بلاد الشام بعد أن أمضوا بها قرابة أربع قرون من زمان وذلك في ذي الحجة 1336هـ= سبتمبر 1918م.

يتبع...

اتفاقية سايكس بيكو...من هنا كانت البداية
وقعت كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا اتفاقية سرية عرفت بسايكس بيكو عام 1915م،نسبة إلى البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسوا بيكو،وكان من هدف إنشاء هذه اتفاقية هي تقاسم الأراضي العثمانية،حيث أن روسيا تهدف في إدخال نفوذها في القدس وفلسطين نظرًا لوجود رجال الدين والكنائس الأرثوذكسية بها،وفرنسا تسعى في تثبيت نفوذها في سوريا،نجحت بريطانيا إلى استمالة الشريف حسين بن علي(حاكم الحجاز) حيث دارت بين الطريفين مراسلات مدة 18شهرا عرفت بمراسلات حسن-ماكماهون،والمعروف أن اتفاقية "سايكس - بيكو" تمت في سرية تامة وبمعزل عن الشريف حسين الذي لم يكن يعلم عنها شيئًا، رغم أن سايكس وبيكو اجتمعا بالشريف حسين بعدها بأيام وطلبا منه ضرورة مساعدة العرب للحلفاء في الحرب. ولم يعلم الشريف بالاتفاقية إلا بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا سنة (1336هـ= 1917م)، وإعلان البلاشفة عن المعاهدات السرية التي وقّعتها روسيا القيصرية، ومن بينها اتفاقية "سايكس ـ بيكو"، ولم يصدق الشريف حسين هذه الاتفاقية، وسارع بتقديم احتجاج إلى السلطات البريطانية، لكنها طمأنته بأنها ملتزمة بالعهود التي قطعتها معه، فمضى في تأييدها ومساندتها واستمر في ثورته ضد الأتراك.
وقد عملت بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى على التحرر تدريجيًا من التعهدات والاتفاقيات التي قطعتها على نفسها أثناء الحرب، ومنها اتفاقية "سايكس ـ بيكو"، فأبرمت مع فرنسا في (ربيع أول 1337هـ= ديسمبر 1918م) اتفاقًا لتعديلها بما يتفق والأمر الواقع في المنطقة، وبمقتضى هذا الاتفاق دخلت منطقة الموصل في دائرة النفوذ البريطاني في مقابل حصول فرنسا على نصيب في الثروة البترولية في هذه المنطقة.

النتائج

تم تقسيم بلاد العراق و بلاد الشام بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من بلاد الشام وجزء كبير من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل في العراق. أما بريطانيا فأمتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالإتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية. كما تقررأن تقع المنطقةالتى اقتطعت فيما بعد من جنوب سوريا وعرفت بفلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.

شكرا الموضوع رائع

بارك الله فيك انتظر المزيد

وعد بلفور

نص الوعد:

وزارة الخارجية

في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917

عزيزي اللورد روتشيلد

يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:

"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.

المخلص

آرثر بلفور
هو وعد أو تصريح من آرثر جيمس بلفور إلى حكومة لورد روتشيلد في بريطانيا،هدف المؤتمر إقامة وطن لليهود في فلسطين وقد كانت اتفاقية سايكس بيكو مهدا لنجاح المؤتمر،وقد كان موقف العرب من تصريح بلفور هو الرفض وإقامة المؤتمر السوري بزعامة فيصل بن حسين الهاشمي ومن نص عن المؤتمر السوري:

1- رفض وعد بلفور.

2- مطالبة الاستعمار باستقلال العراق وفلسطين وسوريا.

وقد رد الاستعمار على المؤتمر السوري باتفاقية سان ريمو كما سنتطرق لها إن شاء الله.

يتبع..

مؤتمر سان ريمو
اجتمع المؤتمر السوري في (16 جمادى الآخرة 1338هـ= 8 مارس 1920م)، واتخذ عدة قرارات تاريخية تنص على إعلان استقلال سوريا بحدودها الطبيعية استقلالا تاما بما فيها فلسطين، ورفض ادعاء الصهيونية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وإنشاء حكومة مسؤولة أمام المؤتمر الذي هو مجلس نيابي، وكان يضم ممثلين انتخبهم الشعب في سوريا ولبنان وفلسطين، وتنصيب الأمير فيصل ملكًا على البلاد. واستقبلت الجماهير المحتشدة في ساحة الشهداء هذه القرارات بكل حماس بالغ وفرحة طاغية باعتبارها محققة لآمالهم ونضالهم من أجل التحرر والاستقلال.

وتشكلت الحكومة برئاسة رضا باشا الركابي، وضمت سبعة من الوزراء من بينهم فارس الخوري وساطع الحصري، ولم يعد فيصل في هذا العهد الجديد المسؤول الأول عن السياسة، بل أصبح ذلك منوطًا بوزارة مسؤولة أمام المؤتمر السوري، وتشكلت لجنة لوضع الدستور برئاسة هاشم الأتاسي، فوضعت مشروع دستور من 148 مادة على غرار الدساتير العربية، وبدأت الأمور تجري في اتجاه يدعو إلى التفاؤل ويزيد من الثقة غير أن هذه الخطوة الإصلاحية في تاريخ البلاد لم تجد قبولا واستحسانًا من الحلفاء، ورفضت الحكومتان: البريطانية والفرنسية قرارات المؤتمر في دمشق، واعتبرت فيصل أميرًا هاشميًا لا يزال يدير البلاد بصفته قائدًا للجيوش الحليفة لا ملكًا على دولة. ودعته إلى السفر إلى أوروبا لعرض قضية بلاده؛ لأن تقرير مصير الأجزاء العربية لا يزال بيد مؤتمر السلم.

وجاءت قرارات مؤتمر السلم المنعقد في "سان ريمو" الإيطالية في (6 شعبان 1338هـ= 25 إبريل 1920م) مخيبة لآمال العرب؛ فقد قرر الحلفاء استقلال سوريا تحت الانتداب الفرنسي، واستقلال العراق تحت الانتداب البريطاني، ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وكان ذلك سعيًا لتحقيق وعد بلفور لليهود فيها. ولم يكن قرار الانتداب في سان ريمو إلا تطبيقًا لإتفاقية سايكس ـ بيكو المشهورة، وإصرارا قويا من فرنسا على احتلال سوريا.

وكان قرار المؤتمر ضربة شديدة لآمال الشعب في استقلال سوريا ووحدتها، فقامت المظاهرات والاحتجاجات، واشتعلت النفوس بالثورة، وأجمع الناس على رفض ما جاء بالمؤتمر من قرارات، وكثرت الاجتماعات بين زعماء الأمة والملك فيصل، وأبلغوه تصميم الشعب على مقاومة كل اعتداء على حدود البلاد واستقلالها .

معاهدة سان ريمو
في عام 1920 تم توقيع معاهدة سان ريمو التي حددت مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية في المشرق العربي.

نتيجة لموقف إنكلترا وفرنسا من مقررات المؤتمر السوري المنعقد في 1920م فقد انعقد المجلس الأعلى للحلفاء، الذي يعتبر امتداداً لمؤتمر لندن المنعقد في (فبراير) 1920 في مدينة سان ريمو الإيطالية، في المدة ما بين التاسع عشر والخامس والعشرين من نيسان (أبريل) 1920 للبحث في شروط الحلفاء للصلح مع تركيا طبقاً لمعاهدة سيفر، والمصادقة عليها بعد إعلان سورية استقلالها ومناداتها بالأمير فيصل ملكاً عليها في المؤتمر السوري العام في الثامن من آذار (مارس) 1920.

وقد بحث المؤتمر:

معاهدة سيفر التي رسمت مستقبل المنطقة العربية التي تضم العراق وسورية بما فيها لبنان والأردن وفلسطين.

والتقسيمات والانتدابات حسب مصالح دول الحلفاء، بحيث تقسم سورية الكبرى إلى أربعة أقسام: سورية، ولبنان، والأردن، وفلسطين.

وتكون سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين والأردن تحت الانتداب البريطاني بالإضافة إلى العراق.

وقد تسبب وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، في اندلاع صدامات واسعة بين اليهود والعرب في مدينة القدس.

فكان ملخص نتائج المعاهدة ما يلي:

1-وضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.

2-وضع العراق تحت الانتداب الإنكليزي.

3-وضع فلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب الإنكليزي مع الإلتزام بتنفيذ وعد بلفور

الاستيطان الاسرائيلي.. النشأة والتواصل - احمد الحاج
لم يأت التصريح الذي أدلي به السيد عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية، والذي اعتبر فيه بأن الحرب علي العراق تعني فتح أبواب جهنم في الشرق الأوسط لم تأت من فراغ لأن مثل هذه الحرب ستؤدي الي فوضي عارمة، ستستغلها إسرائيل لشن حملة عقابية جديدة وواسعة ضد الفلسطينيين، تصل الي درجة الترحيل الجماعي، وطرد أكبر عدد من الفلسطينيين، وهذا حلم إسرائيلي قديم ــ جديد، فإسرائيل تريد أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية، بأقل عدد من الفلسطينيين عليها.
في الحقيقة وواقع الأمر، فإن الإعداد لعملية التهجير، بدأ مع اجتياح الجيش الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، اعتبارا من تاريخ 2002/3/29 وإعادة احتلاله للأراضي الفلسطينية، متجاوزا الاتفاقات الموقعة، وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة بالشأن الفلسطيني.
استيطان فلسطين فكرة جسدت من خلال التحولات الاجتماعية العميقة التي اجتاحت أوروبا ابان النهضة الصناعية، وبعد فقدان البرجوازية الأوروبية لثوريتها وتحويها إلي شريحة أو طبقة رجعية، نتيجة تخوفها من قيام طبقة أخري تحل محلها وهي طبقة العمال. ومن التراجع في مستوي البيئة الاقتصادية إلي التراجع المرافق علي مستوي البنية القومية والسياسية وظهور تيارات فلسفية (النيتشية) و(الدارونية الاجتماعية) التي أطلقت ذاتية الجماعة أو الشعب أو الأمة وفصلته عن الآخر، لتعبرعن ذاتية الأمة أو القومية التي تسعي نحو أهدافها عبر عقيدتها وأفكارها بمعزل عن العلاقات البشرية ذات الجوهر الواحد، الإنسان.
شكلت هذه البداية الأثر الكبير في ولادة الفكرة الصهيونية الاستعمارية التي مرت في مراحل ثلاث أهمها الثالثة: إن تطور الفائض المالي وتمركز الرأسمال الاقتصادي الاوروبي مهدا لاستعمار العالم (سياسة تملك المستعمرات).
في (التايمز) 17 آب (اغسطس) 1840 كتب مقال: سوريا ونهضة اليهود و مما جاء فيه: (إن اقتراح إسكان اليهود وتوطينهم هناك (فلسطين) تحت حماية خمس دول، لم يعد يشكل قضية مناقشة، بل مادة لمناقشة جدية). جورج حداد دار الهدف بيروت. وفي تقرير (كاميل باترمان) الصادر في عام 1907 أن الامبريالية العالمية بقيادة بريطانيا العظمي، تري منطقة الخطر في البحر المتوسط، ملتقي أوروبا وآسيا، يكمن في وحدة وتحرر وتقدم الشعب الذي يشغل جنوبي وشرقي البحر المذكور، وتحدد العلاج إقامة شعب آخر في قلب هذه المنطقة جعل فلسطين يهودية. (د. ماهر الشريف مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم). إن تأييد الأوروبيين للنزعة الاستعمارية وتقسيم الوطن العربي وإقامة الكيان الصهيوني لعب دور الحاضنة في بلورة الإيديولوجية الصهيونية بشكلها النهائي معتمدة علي أسباب ثلاثة:
1 ــ الاقتصاد الصناعي الاستعماري المفتوح الشهية لالتهام دول العالم.
2 ــ حملة محمد علي الهادفة لإقامة دولة عربية موحدة، الأمر الذي يعرض مصالح النظام الإمبريالي (النيوليبرالي الحالي) للخطر.
3 ــ الحضور الدائم للأسطورة الدينية المتكيفة مع هذا الواقع الاقتصادي الذي أنتج الصهيونية المسيحية (التي تطالب بقيام دولة إسرائيل تمهيداً لعودة المسيح وتنصيرهم بحلول العام الألفي السعيد، المدة التي سيحكم فيها المسيح ــ مخلص العالم ــ ويسود السلام فيها).
لقد استخدمت الصهيونية الجدلية الهيغلية ليثبتوا أن فكرتهم تؤكد أن عودة اليهود إلي فلسطين يجب أن تسبق ظهور المسيح فحملوا نظرية هيغل الفلسفية: أطروحة ــ طباق ــ تركيب، بمعني أن الأطروحة هي العقل، والطباق تحقيق الفكرة، ومن التناقض بين الأطروحة والطباق ينتج التركيب الجديد، فكانت (إسرائيل). في 30 كانون الأول (ديسمبر) عام 1951 نشرت صحيفة (هآرتس) مقالاً بعنوان نحن وعاهرة الموانئ ومما جاء فيه: (ان إسرائيل قد تم تعيينها لتقوم بدور الحارس الذي يمكن الاعتماد عليه في معاقبة دولة أو دول عدة من جيرانها العرب الذين قد يتجاوز سلوكهم تجاه الغرب الحدود المسموح بها). (عبد الوهاب المسيري ــ الإيديولوجية الصهيونية).
لقد شكل الاستيطان بالنسبة لحكومات (إسرائيل) المتعاقبة (قبل وبعد قيامها) رأس السهم لتحقيق استعمار كل فلسطين التاريخية جغرافياً، وقبل أكثر من 60 عاماً من قيامها وشهد العام 1948 العمل الميداني حيث تم توزيع الكتل الاستيطانية المركزية وتناولت في خطواتها الأولي الأرض الفلسطينية داخل ما يسمي بالخط الأخضر لتحقيق هدف مركزي وهو (طمس العروبة) بمعني أن الشعب الفلسطيني الذي يعيش في اسرائيل عليه أن يكون الأقلية إلي جانب أغلبية يهودية، وفي العام نفسه تم بناء العديد من المستوطنات وسميت بـ(الريفية)، الأمر الذي سهل احتلال اللواء الشمالي كله، وتوزعت الديمغرافية السكانية إلي 65% فلسطينيين و 35% يهود، والنسبة الاخيرة بدأت بالتصاعد منذ ذلك الحين، وتم وضع (حجر الاساس) لثلاثة مدن تطوير كما أطلق عليها في منطقة الجليل:
معالوت /1957 الناصرة العليا (نتسريت عيليت) /1977 وكرميئيل 1964، لتبدأ بذلك عملية الفصل الجغرافي بين المدن والقري الفلسطينية، بمعني أن المستوطنات والمدن التي أقيمت أصبحت عوازل وموانع جغرافية مقطعة أوصال الجليل بأكمله، وحتي العام 1981 أقيمت 58 مستوطنة ريفية منها ما توزع علي قمم جبال الجليل مثل مستوطنات رصد (هكذا سميت) . وبدأت عملية تهويد الأرض والانسان الفلسطيني تمتد وتنتشر لتشمل القري والبلدان الفلسطينية. بمعني التغلغل حولها وبينها وتقطيعها وتهويد ثقافتها من خلال مركز المدارس والأسواق الكبيرة، وإتاحة فرص العمل للفلسطينيين فيها، الأمر الذي سيؤدي (بحسب المفهوم الصهيوني) لتهويد الفكر والثقافة الفلسطينية. وبلغ عدد اليهود في الجليل عام 1988، 360 ألف نسمة مقابل 386 ألف فلسطيني. والتحول الديمغرافي الأول لصالح الإسرائيليين كان عام 1991 إذ بلغ عدد اليهود 412 ألف نسمة مقابل 408 ألف فلسطيني. و جاء كنتيجة للهجرة اليهودية التي جاءت من دول منظومة الاتحاد السوفييتي السابق ــ روسيا تحديداً، إذ بلغ عدد الوافدين منهم عام 1991، 121 ألف مهاجر وحددت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية نسب توزع اليهود للعرب كالتالي مدينتان سكانهما يهود فقط وهما (العاد) و(مودعين)، القدس نسبة اليهود فيها 67.6%، ترشيحا 71.7%، يافا 93.9%، بئر السبع 92.9%، حيفا 85%. البروفيسور سيرجيودي لافرغولار ــ رئيس الوحدة الديمغرافية بالجامعة العبرية يقول: (إنه لولا الهجرة الجماعية الحالية إلي إسرائيل لتساوي عدد العرب في إسرائيل والضفة وغزة عام 2005 بعدد سكان إسرائيل).
وعليه فسياسة حكومة الائتلاف الصهيوني برئاسة شارون في هذه المرحلة تحدد بدقة الهدف وهو تهويد الدولة الاسرائيلية، أي لا عرب فيها ومن هنا كانت وما زالت كل المضايقات الاجتماعية والخدماتية لسكان الخط الأخضر تصب في خانة التهجير الطوعي أو القسري.
وفي الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس يتواجد 400 ألف مستوطن يهودي: 210 آلاف في الضفة الغربية وغزة، وأكثر من 170 ألف يهودي في شرقي القدس. وفي تقرير للأمم المتحدة حول الاستيطان: لقد صادرت إسرائيل 70% من أراضي الضفة الغربية ، 33% من قطاع غزة التي يعيش فيه 5 آلاف مستوطن في مقابل مليون ونصف المليون فلسطيني علي ما تبقي من الأرض. وفي القدس شردت إسرائيل 16 ألف فلسطيني بعد تهديم منازلهم، وهناك 28 ألف منزل مهدد بالهدم، فسياسة الهدم هذه تهدف إحلال المستوطنين اليهود مكان السكان الفلسطينيين.
أيضاً تناول التقرير: أن إسرائيل كانت تحتفظ في عام 1991 بـ 205 مستوطنات في الضفة الغربية بينها 16 مستوطنة في القدس الشرقية و19 مستوطنة في قطاع غزة.
فشارون ومنذ توليه حقيبة البني التحتية وحتي تسلمه منصب رئاسة الوزراء رفع عدد المستوطنات بزيادة 34 مستوطنة إلي جانب موافقته علي بناء 14 مستوطنة جديدة بالضفة والقطاع والقدس الشرقية. وفي مقالة لـ(نداف شرغاي) 2002/7/25: (أوضح بالنسب الارتفاع المضطرد في أعداد المستوطنين بحسب بيان وزارة الداخلية: زاد عدد سكان المستوطنات في السنة الأخيرة حزيران (يونيو) 2001 حتي حزيران (يونيو) 2002 إلي 847.10 نسمة، ووصل عددهم الآن إلي 864.218 ألف نسمة وهذا شكل ارتفاعاً بنسبة 21.5% (الوافدين ــ المغادرين)، فالتكاثر الطبيعي في متوسطه السنوي 1.3% في الضفة الغربية وغزة مقابل نسبة منخفضة من المغادرة).
وكما في البدايات، جاءت المستوطنات لتخلق الجيوب والعوازل الأمنية وتقطع الجسد الجغرافي والديمغرافي الفلسطيني، فأصبحت الضفة الغربية عبارة عن 8 معازل، وغزة 3 معازل بتواجد عسكري كثيف حول المستوطنات وطرقها الالتفافية، وهو التمهيد لتهويد الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967 ولتعيد إسرائيل احتلالها من جديد بعد اندلاع الانتفاضة والعمل من جديد بسياسة التهجير والافراغ الديمغرافي للفلسطينيين. كما أن اية تسوية سياسية للصراع العربي الاسرائيلي بالمفهوم اليهودي المتطرف مرفوضة ، فبعد نكسة 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة سعت إسرائيل نحو تحقيق حلمها أي (دولة إسرائيل الكبري) والحكومات الاسرائيلية التي تعاقبت منذ ذلك الوقت وحتي اليوم أيدت ودعمت عمليا وأيدولوجيا تجسيد هذا الحلم من خلال تشجيع الاستيطان اليهودي داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تحت مظلة قوات الاحتلال الاسرائيلي، وعبر شارون عن هذه السياسة في مؤتمرحزب الليكود قبل شهور قليلة مدعوما بأغلبية الاصوات أنه لايمكن ولن تقوم دولة فلسطينية غربي نهر الاردن الي جانب أسرائيل. وبالتالي الشارع الاسرائيلي وحتي اللحظة لا يؤمن بالحلول السلمية وبنسبة تعدت 46% (حسب آخر استطلاع)، لكن الرهان يدور حول قدرة القوي والحركات السلامية في تغيير هذا الواقع. ويبقي الصراع الإسرائيلي الداخلي بين شقين الاول: دولة لليهود أم دولة لكل مواطنيها، والثاني: التسوية السياسية بعناوينها الثلاث: القدس ــ اللاجئين ــ المستوطنات.

جريدة (الزمان) العدد 1346 التاريخ 2002 - 10 - 24

شكرا

مشكور على الموضوع القيم